رياضة «رأس الهمّ دادة عيشة» !!
رغم أن الموسم الكروي لم تمرّ على انطلاقته سوى جولة واحدة، فوجئ الجمهور الرياضي ببداية مبكّرة لظاهرة إقالة المدربين، وكان الترجي الرياضي - وعلى خلاف العادة- المبادر بالتغيير بعد الإطاحة بالفرنسي سيباستيان دوسابر وقبله رود كرول، وهذه سابقة في تاريخ شيخ الأندية التونسية الذي لم يحدث له أن أقال مدرّبه بعد جولة واحدة من انطلاق البطولة، النجم الساحلي أقال هو أيضا المدرب السربي دراغان بعد انهزامه ضدّ سيوي سبور الإيفواري في الجولة الخامسة لدور المجموعات ضمن منافسات كأس الكنفدرالية وقبل أيام قليلة من بداية الموسم، وهو ما يجعلنا نتوقف عند هذه الظاهرة التي مانفكت تستفحل من موسم إلى آخر والتي تكشف عن الوضعية المتأزمة التي تتخبط فيها الكرة والفرق التونسية، وقد انعكست على مردود اللاعبين ومستوى كرتنا والفرق والمنتخب الوطني بشكل خاص.
لقد ثبت اليوم - وبما لا يدع مجالا للشك- أن النتائج والنتائج وحدها هي التي تتحكّم في علاقة النادي بالمدرب وعندما تتراجع وترتفع احتجاجات الجمهور على الفريق، لا يجد المسؤولون والقائمون على الأندية بدا من البحث عن المبررات والأسباب، لذلك من الطبيعي أن تتخذ خطوات من أجل اخماد نار هذه الانتقادات، أولها وأبرزها وأسهلها اقالة المدرب، حيث يجعلون منه شماعة لتعليق الاخفاقات «وقربانا» لتهدئة خواطر الجماهير وامتصاص غضبها، إلى أن أصبحت هذه الخطوة الحل الوحيد لدى مسؤولي النوادي كلما ساءت النتائج فيضحّون بالمدرب ويجعلونه كبش فداء دون أن تكون لهم الشجاعة الكافية للإعتراف بأخطائهم وفشلهم وتقصيرهم.
و الغريب في الأمر أن مجموعة من المدربين يتعاقبون على الأندية، حيث تتغير الأسماء والوجوه دون أن يتغير القائمون عليها من مسيرين واداريين، علما أن تغيير المدربين لا يجدي نفعا في بعض الأحيان ولا يغير من حال النادي، حيث تظل النتائج على حالها، وبالتالي لا تمتلك الادارات وأعضاؤها الشجاعة ليعترفوا بأخطائهم وتقصيرهم لينطبق على المدرب المثل الشعبي الشهير «راس الهمّ دادة عيشة»..
والثابت أن غرور الكراسي والمناصب يدفع المسؤول إلى إيهام نفسه بأنه غير مسؤول عن الفشل، وأن المدرب هو العنصر الوحيد الذي يحمل على عاتقه مسؤولية الهزائم والعثرات، رغم أن هناك مجموعة من العناصر المتداخلة التي تلعب أيضا دورا مهمّا في نجاح أي فريق أو فشله. وقد يجد بعض المدربين أنفسهم مجبرين على الرحيل، حيث يعيشون ضغوطا من الجماهير واللاعبين وحتى من المسيرين، إذ توضع أمامهم العراقيل للضغط عليهم وإجبارهم على الرحيل مكرهين، وهكذا لا يجد هذا المدرب أو ذاك في مثل هذه الأجواء بدا للرحيل، كما تبرز أيضا ظاهرة الإنفصال بالتراضي وهي الأسطوانة التي أضحت سائدة في الآونة الأخيرة، وهذا الإنفصال يحمل في طياته أن المدرب يضطر أمام جملة من الدوافع والأسباب، إلى الخضوع لمطلب الرحيل، بل يضطر للجلوس إلى طاولة المفاوضات لدراسة إقالته، ذلك أن بعض المدربين يضطرون إلى كتمان الضغوط التي يعيشونها، وكذلك تقديم استقالتهم، وذلك حفاظا على كرامتهم ومستحقاتهم المالية.
لقد شهدت بطولتنا في المواسم السابقة سقوط العديد من المدربين الذين ذهبوا ضحيّة للنتائج أحيانا وكانوا شمّاعات فشل المسيرين أحيانا أخرى، ووصل الأمر في الموسم السابق بفريق النادي الافريقي إلى إقالة مدربه الهولندي كوستار وهو يحتلّ طليعة الترتيب!! ومثل هذه القرارات تدخل -دون شك - في خانة نزوات المسيرين على اعتبار أن سبب الاستغناء عن المدرب في هذه الحالة ليس له علاقة بالنتائج.
ولاشك والوضع على ما هو عليه، أن تكون المراحل المقبلة من عمر البطولة حاسمة لمجموعة من المدربين الذين سيكون مصيرهم مرتبطا بما تخفيه لهم الأيام والنتائج القادمة، والثابت أن العدد سيتزايد مع مرور الأسابيع و سيأتي الدور على آخرين مادام الجميع يفكر بنفس العقلية ويتصرّف بنفس الأسلوب والطريقة، وبالتالي فإن النتائج هي الصديق الوفي للمدرب وهي التي تحدد مصيره بالبقاء أو الرحيل،فعندما تبتسم هذه النتائج يكون وضعه مريحا من دون مشاكل، وعندما تسوء فإن نار الانتقادات والاحتجاجات تشتعل حوله، وهكذا فإن كل مدرب يدرك جيدا هذا الأمر، ويدرك أيضا أن الانتصارات هي الملاذ الوحيد لنجاح مهمّته، ولنا في المدربين الذين اضطروا لمغادرة فرقهم الدليل والبرهان، وان كان ذلك لا يمنع أن هناك أسبابا تعجّل هي أيضا برحيل المدربين أبرزها الخلافات بين المدربين والإداريين وعدم الانسجام والتواصل، على أن العقد هو الذي يتحكم في وضع المدرب، وهنا نفتح قوسا لنؤكد مدى التباين بين عقد المدربين الأجانب الذي يقفون على جميع حيثياته ويدافعون على مصالحهم، وعقد المدربين المحليين الذين يجدون أنفسهم مضطرين للتنازل عن شروطهم ومستحقاتهم باستثناء البعض الذين يوقعون عن عقود احترافية «مضروبة بالسافود»..
على أية حال، ستظلّ ظاهرة تغيير المدربين بسبب أو دونه قائمة في بطولاتنا وكرتنا إلى ان يرث الله الأرض ومن عليها، ستبقى قائمة لأن الجميع يرفض الهزيمة، والجميع يريد الانتصارات ولا شيء غيرها.. الجميع يتطلعون إلى التتويجات والصعود والنتائج الباهرة دون أن يسألوا أنفسهم ماذا قدموا للمدربين الذين انتدبوهم وماذا وفروا لهم من إمكانيات مادية وبشرية لتحقيق أهدافهم.
إن هذه العقلية التي ترفض الهزيمة ولا تعترف بشيء إسمه كرة قدم فيها الربح والخسارة هي التي تساهم في توتّر الأجواء و استشراء العنف في الملاعب وارتباك وخوف الحكام خصوصا وقد أصبحنا نسمع عمّا يسمونه مؤمرات ومكائد إلى أن وصل بنا الأمر إلى جدران الملاعب التي أصبحت تتكلّم بدورها نتيجة الظلم والقهر وأشياء أخرى لا تصدر سوى عن ألسنة مسيّرينا والساهرين على شؤون كرتنا، وهنا أريد أن أسأل: ماذا لو كانت بطولتنا بالمليارات وبتلك الأموال الضخمة المرصودة للبطولات الأوروبية؟ قطعا سيسقط الضحايا في المباريات وستُزهق الأرواح وستنتهي العديد من المقابلات في مراكز الأمن والمستشفيات...
بقلم: عادل بوهلال